الذكاء الاصطناعي علم يحرك أفعال وطموحات المتأثرين به، فقد داهم حياتنا اليومية وتزامنًا مع اختراق الذكاء الاصطناعي لكافة مجالات الحياة؛ فإن المجال العسكري يأتي في مقدمة تلك المجالات التي من المتوقع أن تشهد إحداث نقلة نوعية كبيرة في استخدام الحلول المعرفية لتعزيز الاستراتيجيات العسكرية على المستويين التكتيكي والتشغيلي
ولقد ساهمت جهود الباحثين خلال العقد الماضي في إحداث تطورات بارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتقنيات التكنولوجية المرتبطة به (الحوسبة الكمية، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والأنظمة ذاتية التشغيل)،
حيث مكن ذلك من مستويات فاقت توقعات الخبراء والمتخصصين
ويعتبر الذكاء الاصطناعي وبالتحديد الذكاء المعزز أساسياً لدعم تحليل البيانات العسكرية عالية السرعة، واتخاذ القرارات الفورية في سلسلة القيادة ، ومعالجة البيانات في أحداث قد تحدث بالسرعات والمجالات التي تتجاوز الفهم البشري، وإن كانت الآلة غير قادرة حتى الآن على تحديد النية والغرض ولكن الجمع بين نقاط القوة لدى البشر والآلة لخلق ميزة إنسانية في عصر الذكاء المعلوماتي،
فعلى المستوى التشغيلي، يعزز الذكاء الاصطناعي من القدرات العسكرية من خلال إمكانات (الاستشعار عن بعد، والإدراك اللحظي للمتغيرات، والمناورة، واتخاذ القرار تحت ضغط
أما على المستوى الاستراتيجي التكتيكي في صنع القرار العسكري، فستتمكن أنظمة القيادة المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من تجنب العديد من أوجه القصور الملازمة لعملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية التقليدية، حيث ستكتسب القدرة على اتخاذ القرار السريع -بل والتلقائي- بناءً على المعلومات المعززة، وهو الأمر الذي يُجنّبها الأخطاء البشرية، ويُكسبها ميزةً تنافسيةً مقارنةً بأنظمة اتخاذ القرار التقليدية.
وحتماً ستتخذ الآلة وهو سر تكنولوجيا الطائرة من دون طيار والقدرة على استخدام الماسحات الضوئية بالأشعة تحت الحمراء للكشف عن وسائل الدفاع وتعطيلها وتقييم دقيق للهدف والضرر
.
ومن الاستخدامات الأخرى لحروب الذكاء الاصطناعي، تظهر حروب «ديمقراطية التدمير»: أي حشد جماعة مجهولة الهوية باسم الديمقراطية والوطنية على شكل ميليشيات افتراضية على الشبكة العنكبوتية، وتحقيق التغيير المرغوب فيه من خلال إضفاء طابع العدالة والمثالية على المعلومات المضللة التي تستهدف جانب اللاشعور في الإنسان وتستدعي الذكريات المرتبطة بأساطير الثورات العالمية،
ويمتد الأمر أيضاً إلى حروب القدرة على جعل البيانات الضخمة مشاكل صغيرة تتدحرج مثل كرة الثلج بالتغذية الراجعة المدروسة للشارع وصولاً إلى ساعة الذروة، وذرع بؤر التشكيك في السلطة وأهمية التغيير من أجل التغيير .
وبناءً عليه، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري سيؤدي إلى إدخال متغير جديد في المعادلة العسكرية، لن تتساوى فيه الجيوش التي تستخدم تلك التكنولوجيا الجديدة مع غيرها، ومن ثم سيحدث مجموعة من الآثار الاستراتيجية التي من المحتمل أن تزعزع الاستقرار الأمني إلى حد كبير، وتؤثر على ديناميكيات الصراع والتصعيد العسكري في المستقبل.
أن التهديدات الأمنية المحتملة والمترتبة على التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، تشمل الأمن بمفهومه الواسع الذي يتضمن الأمن الرقمي مثل: التصيد الموجه، واختلاق الخطاب أو التصنيع الصوتي، وانتحال الهوية، والتسلل الآلي والتطفل على البيانات)؛ والأمن المادي مثل الهجمات المنفذة من الطائرات بدون طيار)؛
وأخيرًا الأمن السياسي مثل عمليات المراقبة
وفي حين تم توصيف تكنولوجيا الروبوتات ونظم الأسلحة ذاتية التشغيل، إلى جانب ابتكارات أخرى، على أنها تمثل “الثورة الثالثة في الحروب”، وفي سياق آخر على أنها أحد مخرجات “الثورة الصناعية الرابعة”؛
فإن إدماج الذكاء الاصطناعي معها من المتوقع أن يُحدث آثارًا تحولية في مستقبل الحروب والتوازن العسكري عالميًّا، حيث سيضيف إليها تقنيات تُعزز من قدراتها مثل الإدراك البصري والتعرف على الصوت والوجه، وكذلك استخدام الخوارزميات في صنع القرار لتنفيذ مجموعة من العمليات (الجوية والبرية والبحرية)، وذلك بشكل مستقل عن الإشراف والتدخل البشري.
وبناءً عليه، ستتمكن تلك الأنظمة المعززة من التوسع في مجموعة المهام التالية: الاستطلاع ودقة تنفيذ الضربات، واختراق الدفاعات الجوية المتطورة متعددة المستويات، مما يؤثر على كفاءة قيامها بوظيفة الردع.
كما ستقدم تلك الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للدول خيارات إضافية غير متماثلة -خاصة في المجال البحري- لإبراز القوة العسكرية داخل المناطق المتنازع عليها وغير المسموح لها باختراقها.
بالإضافة إلى مجموعة من المهام المحددة التي يمكن القيام بها والتي تشمل: إزالة وزرع الألغام، ونشر وجمع البيانات من شبكات الاستشعار البحرية المضادة للغواصات، ومهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وشن الحرب الإلكترونية، والعمليات غير القتالية (مثل مكافحة الإرهاب والدفاع عن الحدود)، والدعم التوجيهي للصواريخ لدقة عمليات الاستهداف.